الفضاء المدني في المنطقة العربية

يسعى هذا المرصد إلى تغطية أخبار الفضاء المدني في المنطقة العربية وتحليلها ومواكبة المجتمع المدني بكافة تحدياته وانتقالاته
البحرين: قراءة موجزة حول الفضاء المدني في ظل الحرب على غزة الجزائر: دعوات لإطلاق سراح سجناء الرأي مصر: استمرار تعاون الدولة مع منظمات المجتمع المدني العراق: المجتمع المدني وصراع جديد للوصول الى المعلومات المجتمع المدني في الأردن: تحديات التمويل والاستقلالية لبنان : الاعتداءات الاسرائيلية على الصحافيين المغرب: عودة قضية الهجرة غير النظامية لتخيم على المشهد العام الفضاء المدني في فلسطين: مسرحا لانتهاكات حقوق الإنسان اليمن: اعتقالات واسعة حالة الفضاء المدني في السودان الفضاء المدني الفلسطيني: جرائم إبادة للصحفيين وانتهاكات جسيمة لحقوق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال المغرب: المطالب الفئوية تتصدر المشهد العام الجزائر: مرسوم رئاسي يرسم عسكرة الوظائف المدنية البحرين: الفضاء المدني في في ظل الحرب على غزة مصر: الأنشطة وتصريحات رسمية تؤكد على أهمية المجتمع المدني موريتانيا: واقع الفضاء المدني اليمن: اعتقالات واسعة للعاملين في المنظمات المحلية والدولية المجتمع المدني في مصر والحرب على غزة الفضاء المدني في العراق في ظل الحرب على غزة المجتمع المدني الأردني: فاعلية يقابلها المزيد من القيود
آخر التطورات
عد الى الخلف
اليمن: اعتقالات واسعة للعاملين في المنظمات المحلية والدولية
Aug 01, 2024

اليمن: اعتقالات واسعة للعاملين في المنظمات المحلية والدولية  

 تموز/يوليو


تحت شعار مكافحة عملاء إسرائيل وامريكا، أطلقت جماعة أنصار الله "الحوثيين" حملة اعتقالات هي الأكبر منذ سيطرتها على السلطة في أيلول/سبتمبر ٢٠١٤، طالت عشرات العاملين في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الغير حكومية الوطنية والدولية، ووجهت لهم عدد من التهم كـ الجاسوسية، والتخابر، والعمالة، والتأثير على الأوضاع الداخلية، والقيام بأدوار تخريبية في مؤسسات رسمية وغير رسمية.

وبحسب المعلومات المتوفرة، فان قرابة ٣١ موظف يقبعون رهن الاعتقال بينهم ٤ نساء. وبالتزامن؛ نشر الحوثيون بياناً زعموا من خلاله ـنجاحهم في تفكيك خلية تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل. ونشر الإعلام الأمني تسجيلات فيديو لعدد من الموظفين يعترفون بالتهم الموجهة إليهم، في إهانة واضحة للعاملين للمحتجزين الذين لم تصدر عريضة اتهام رسمية بحقهم، الأمر الذي قوبل بالاستهجان والإدانة، لا سيما وأن المحتجزين عملوا لسنوات في خدمة البلاد وتنميتها، وفضلوا البقاء والعمل من صنعاء على الرغم من ظروف الحرب القاسية.

وتؤكد المعلومات بأن المعتقلين يعيشون في عزلة عن العالم الخارجي، حيث رفض الحوثيين إخبار عائلاتهم بأماكن الاحتجاز، ولم يسمح لهم بالاتصال بمحاميهم أو عائلاتهم، الأمر الذي وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه يرقى إلى مرتبة لاختفاء القسري.

كذلك تسببَّت الاعتقالات وحملات التحريض الموجهة ضد العاملين في المجتمع المدني في إغلاق عدد من المنظمات، وفرار العشرات من العاملين فيها الى مناطق الحكومة والى خارج البلد. كما قام الحوثيون باتخاذ عدد من الإجراءات التقييدية بحق المنظمات التي ما تزال تعمل في مناطقهم أبرزها إلزام المنظمات بموافاة السلطات الحوثية بأسماء العاملين لديها، واخضاع التوظيف والعمل في المنظمات بشرط الموافقة الأمنية، والتوزيع وفق البيانات المقدمة لهم من المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية، ما يعني إغلاق الهامش المتاح الذي كان ما يزال يتمتع به المجتمع المدني في مناطق سيطرتهم.

 

خارطة الاعتقالات

شملت خارطة الاعتقالات أبرز المنظمات والوكالات العاملة في اليمن. ويمكن ذكر مدير شركة Moore yemen، وهي شركة متخصصة في مراجعة أعمال منظمات الإغاثة، وموظفة في برنامج الأغذية العالمي، ٦ ست من من موظفي المفوضية السامية لحقوق الانسان،  ثلاث من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، ثلاث  من موظفي المعهد الديمقراطي الأمريكي ، إثنين من منظمة شركاء اليمن، إثنين من الصندوق الاجتماعي للتنمية، غثنين من الائتلاف المدني للسلام، شخص من مكتب المبعوث الدولي الى اليمن، مدير مؤسسة ديب روت، أربعة اشخاص من موظفي رنين اليمن، ومستشار سابق في منظمة العون المباشر، وشخصين من الجمعية الألمانية للتعاون الدولي، ومسؤول برنامج التحصين في منظمة الصحة العالمية في صنعاء،  وشخص من اليونيسف،  وآخر من اليونسكو.

وقد أثارت موجة الاعتقالات الواسعة المصحوبة بتوعد زعيم الجماعة بالاستمرار بتفكيك ما أسماها خلايا التجسس بإدانات محلية وإقليمية ودولية واسعة، وطالبت البيانات بسرعة الافراج الغير مشروط عن المعتقلين وإتاحة الوصول إليهم.

 

 

الدوافع والتداعيات

يأتي التصعيد ضد العاملين في المنظمات بالتزامن مع اتساع رقعة التوتر في البحر الأحمر بين الحوثيين من جهة، وإسرائيل وحلفائها من جهة اخرى، وهو ما أدى الى تدهور العلاقات بين الحوثيين والحكومات الغربية. كما لوحظ اتخاذ العديد من المانحين الغربيين عدد من الإجراءات ضد الحوثيين إثر عرقلتهم الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر شملت تخفيض المنح واغلاق العديد من البرامج. كذلك قامت العديد من المنظمات بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء الى عدن في محاولة للتخفيف من الضغوط الحوثية الموجهة للعمل الإنساني بحكم سيطرتهم على الأمر الواقع. وبالإمكان قراءة التصعيد الحوثي بأنه رد فعل انتقامي لذلك التحول، ومحاولة مستميته لاستمرار سلطتهم الرقابية والتوجيهية على عمل المنظمات، ومحاولة لإجبار المنظمات والوكالات للتفاوض معهم بشكل فردي وتقديم تنازلات. ويعد هذا النهج شائع لدى الحوثيين، إذ سبق وأن استخدموا الصحفيين كأداة ضغط للإفراج عن عدد من أسراهم العسكريين والأمنيين لدى الحكومة في صفقة تبادل استضافها الأردن في ابريل ٢٠٢٣.

ويشجع انخفاض مستوى الاستجابة الدولية للتعاطي مع هذه الانتهاكات الحوثيين على التمادي أكثر، بل أن التراخي قد يشجع الحوثيين لتوسيعها لتشمل مناطق أخرى. وعلى الرغم من قيام الأمم المتحدة بإجراء اتصالات في مساعي للإفراج عن موظفيها، لكن تلك المساعي لن تكون كافية إن لم تشمل كافة المعتقلين المدنيين، واتخاذ تدابير جدية تثني الحوثيين على الافراج عن كافة المعتقلين والمحتجزين.

 

وقد تسبب التصعيد الحوثي تجاه العاملين في المنظمات بإصابة العمل المدني بالتوقف التام. وبالفعل، باشرت عدد من المنظمات بإغلاق مقراتها بشكل نهائي في اليمن، والبعض اتجهت لفتح مقراتها في العاصمة المؤقتة عدن. ومن المتوقع أن يؤدي انسحاب المنظمات العاملة في مجالات الإغاثة والتنمية والبيئة الى تفاقم الحالة الإنسانية في مناطق الحوثيين، وهي المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر، لا سيما وان تلك المنظمات أسهمت بشكل محوري في سد غياب وعجز كل من الحكومة المعترف بها والحوثيين عن الايفاء بالتزاماتهم تجاه السكان في ظل تعرض اليمن لواحدة من أكثر الازمات الإنسانية حدة. وعلى المدى البعيد، فإن الاستمرار في تقويض العمل المدني يسهم في إخراجه من دائرة التأثير، ويوسع عسكرة المجتمع على نحو غير مسبوق، كما أنه يعرض الحوثيين للعزلة الدولية.

 

ختاماً؛ يواجه العاملون في العمل المدني في اليمن تحديات غير مسبوقة في ظل القمع الحوثي المتصاعد. وفي ظل استمرار حالة الانقسام واللاسلم، فان التحديات ستستمر، وستستمر معها المعاناة التي لن تنحصر فقط بالعاملين في المنظمات، بل ستطال أغلب شرائح المجتمع، الذين يواجهون بدورهم أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة، كما إن استهداف المجتمع المدني يعقد نجاح فرص إيجاد تسوية سياسية تفضي لبناء سلام مستدام في اليمن، ويعيد تسميم أجواء التهدئة بين الأطراف المتصارعة.