آخر التطورات
عد الى الخلفتداعيات حرب غزه على الفضاء المدني في اليمن
تقرير شهر ابريل 2024 -اليمن/عدن
كشفت
الحرب في غزة عن تداعياتها الجيوسياسية منذ الأيام الأولى للعدوان
الإسرائيلي الغاشم على الغزاويين الذي تجاوز كافة قواعد واخلاقيات الحرب،
وقد كان اليمن واحد من أكثر البلدان التي طالتها تداعيات الحرب، والتي
لامست تقريباً كافة مناحي الحياة، وفي المقدمة الفضاء المدني.
وقد
أدى التوتر المتزايد في البحر الأحمر والمياه الإقليمية اليمنية أثر
انخراط أنصار الله (الحوثيين) في مهاجمة السفن الإسرائيلية في باب المندب
والبحر الأحمر، وتعرضهم في المقابل لعشرات الهجمات العسكرية الانتقامية من
قبل الولايات المتحدة وبريطانيا الى عسكرة الفضاء المدني، وحدوث العديد من
المتغيرات السياسية والاقتصادية والحقوقية، والتي أثرت بشكل مباشر على مجمل
العمل المدني في البلاد.
تعثر المسار السياسي
كان
الرئيس الأمريكي بايدن قد وعد أثناء حملته الانتخابية بإيقاف الحرب في
اليمن، وفي أول خطاب له بعد التتويج أعلن عن المحددات العامة للسياسة
الخارجية لبلاده بشأن التعاطي مع النزاع في اليمن، والذي حددها بثلاث خطوات
رئيسية، هي: أولاً: ايقاف الدعم العسكري الذي تقدمه بلاده للعمليات
الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن. ثانياً: تعيين مبعوث امريكي الى
اليمن. وثالثاً: دعم جهود الأمم المتحدة الرامية لإنهاء الصراع.
ونتيجة
للضغط الأمريكي المستمر على كافة الأطراف المنخرطة في الصراع تم التوصل
أواخر العام ٢٠٢٣ لخطوط عريضة للحل، وكان من المتوقع توقيع الأطراف
الرئيسية لخارطة طريق في أواخر العام المنصرم. وفي ظل انخراط الحوثيين في
التصعيد ضد إسرائيل، حدث تحول في الموقف الأمريكي تجاه الحرب اليمنية، إذ
ترى الولايات المتحدة بأن الأولوية في الوقت الراهن هي تدمير القدرة
العسكرية للحوثيين وليس السلام، الأمر الذي أدى بشكل أو بآخر الى تعثر
المسار السياسي، وإعادة البلاد التي تشهد نزاعا مسلحا منذ ١٠سنوات لأجواء
الحرب.
تشديد القبضة الأمنية على الفضاء المدني
منح
التصعيد المتبادل الأطراف المحلية والدولية المنخرطة في الحرب اليمنية فرصة
للتهرب من استحقاقات السلام، وما يترتب على ذلك من استعادة الهامش المدني.
وبشكل عام، نجد بأن أطراف الصراع الرئيسيين عملوا خلال الأشهر الماضية من
العام 2024 على تعميم العنف ووسائله خياراً أحادياً في عموم اليمن، وحرمان
الأفراد من أية خيارات مدنية بديلة. وقد لوحظ تعزيز القبضة الأمنية،
ومصادرة الحيز المدني، واغلاق الفضاء العام، وإلغاء ومصادرة التعبير السلمي
لجهة وسائل القمع وخطاب الحرب الهادم للحقوق والحريات.
وعلى
الرغم من حالة الانقسام والتشظي التي يعيشها المجتمع اليمني بسبب الحرب،
وفشل المجتمع المدني خلال سنوات الحرب في التماسك والانتصار لحقوق
المواطنين الأساسية لا سيما المرتبات المنقطعة منذ العام ٢٠١٦، الا أن حرب
غزة منحت المجتمع المدني فرصة لتحدي الفرضيات القائلة بأن الهيمنة
المليشاوية قد قوضت الفضاء المدني وأعدمت وسائله بلا رجعة، حيث عبر عن
تضامنه مع فلسطين المحتلة من خلال إطلاق العديد من المسيرات والتظاهرات
السلمية في المدن اليمنية الكبرى. وبالإمكان القول إن تلك المسيرات قد كسرت
حاجز الخوف، إذ لطالما اعتبر جميع الفاعلين السلطويين التجمعات السلمية
تمرداً وخطراً وجودياً عليهم، وواجهوه عبر استخدام العنف المفرط. كما أن
تلك المظاهرات قد نجحت في توجيه رسائل هامة، أبرزها كشف زيف ادعاء احتكار
تمثيل القوى المتصارعة للمجتمع بكل فئاته.
تشديد القيود على المنظمات الغير حكومية
واجهت
منظمات المجتمع المدني خلال الأربعة الأشهر الأولى من العام الراهن ٢٠٢٤
العديد من التحديات المرتبطة بحصولها على التراخيص بسبب تعدد الفاعلين على
الأرض، وإصرار كافة السلطات (السلطة الحكومية المعترف بها دولياً وسلطات
الأمر الواقع) على تجاوز القوانين أو تفسيرها بشكل مغلوط.
كذلك واجت
منظمات المجتمع المدني المزيد من القيود على الأنشطة والتحركات والمطالبة
بإرسال تقارير تفصيلية بعد كل نشاط، والحرمان من الوصول للمشاريع، بالإضافة
الى العديد من الإجراءات البيروقراطية المرهقة.
وبحسب نشطاء
مدنيين، فإن العديد من المنظمات تواجه تحديات متعلقة بالاستدامة المالية
نظرا للإجراءات المتخذة من قبل عدد من المانحين بسبب مواقف المنظمات من
العدوان الإسرائيلي على غزه.
استمرار الانتهاكات ضد الصحفيين
ما
يزال الصحفيين في اليمن عرضة للانتهاكات، حيث شهد العام 2024 حدوث 17
انتهاكا طال الحريات الإعلامية والصحفيين، 5 انتهاكات ارتكبها الحوثيون، و 5
انتهاكات الحكومة، و2 المجلس الانتقالي. وقد تنوعت الانتهاكات ما بين
الاعتقال التعسفي والملاحقة والاختطاف والاعتداء والتعدي والتهديد و3 حالات
منع وإيقاف ومصادرة.
وبحسب نقابة الصحفيين اليمنيين ما يزال 6 صحفيين رهن الاعتقال، 3 منهم لدى الحوثيين، 2 لدى الانتقالي، وصحفي لدى تنظيم القاعدة.
وعلى
الرغم من نجاح أطراف الصراع في السيطرة على المؤسسات الإعلامية والصحفية
الا أن حرية التعبير ما تزال خارج سيطرة السلطات نتيجة للدور الذي تلعبه
شبكات التواصل الاجتماعي.
وختاماً
أدى انخراط اليمن ضمن
الصراع الجاري في غزة، وكذلك العسكرة المتزايدة للبحر الأحمر وباب المندب
الى خلق أجواء مثالية لأطراف الصراع لتكريس المزيد من الهيمنة على الفضاء
المدني، فيما لا يزال المجتمع المدني المرهق ينزف امكانياته المتواضعة. وفي
ظل تفاقم حدة التعبئة والتحشيد ومساعي كل طرف لإعادة التموضع في ظل
التحولات الجيوسياسية الجارية تزداد القبضة الأمنية شراسة، إذ تم فرض
المزيد من القيود على حرية التعبير، وتشديد الرقابة على منظمات المجتمع
المدني، والعمل على توظيف مجمل النشاط المدني في كافة مناطق اليمن لخدمة
أجندات الحرب وأمرائها.