آخر التطورات
عد الى الخلفالمجتمع المدني في الأردن: تحديات التمويل والاستقلالية
المجتمع المدني في الأردن: تحديات
التمويل والاستقلالية
أحمد عوض
في خضم
التحديات المتزايدة التي تواجه منظمات المجتمع المدني في الأردن، تتجلى قضية
استقلاليتها كقضية أساسية للنقاش، وخلال السنة الماضية وجراء حرب الإبادة التي
تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، تزايدت الحوارات
والمناقشات داخل منظمات المجتمع المدني التي تتحدث عن أهمية تطوير أدوات لتعزيز
استقلالية المجتمع المدني، ليس فقط أمام بعض القيود الحكومية، بل في مواجهة توجهات
وقيود بعض المانحين، سواء كانوا صناديق مستقلة عن الحكومات أو وكلات حكومية.
كغيره في
جميع دول العالم، يعتمد عمل المجتمع المدني في الأردن على المنح والتبرعات التي
يمكن أن يحصل عليها من الجهات المانحة، والتي يمكن أن تكون صناديق مستقلة Endowment، أو وكالات حكومية محلية وأجنبية. وبسبب شح
مصادر التمويل المحلية وتركزها في تمويل الأعمال الخيرية، اعتمدت
منظمات المجتمع المدني التي تعمل على مراقبة السياسات العامة وتطويرها، بشكل كبير
على التمويل الخارجي لتنفيذ برامجها ومشاريعها التنموية.
ومع مرور
الوقت، أصبحت العلاقة بين المجتمع المدني والجهات المانحة أكثر تعقيدا، حيث دخلت
على الخط إشكاليات متعددة، مثل فرض بعض الشروط على متلقي المنح و/او بعض العاملين
فيها او المتعاقد معهم. ومع أن الغالبية الكبيرة من منظمات المجتمع المدني رفضت
وترفض أي شكل من الشروط، الا أن هذا لا يلغي وجود الإشكالية، الأمر الذي أدى ويؤدي
تقليص أدوار وفاعلية هذه المنظمات.
الى جانب
ذلك، نشهد في الوقت الراهن حالة من الازدواجية في التعامل مع منظمات المجتمع
المدني، حيث تتضارب الأهداف المعلنة لقطاع واسع من المانحين – خاصة التابعة لبعض
حكومات الدول الغربية المؤثرة - والمتعلقة بتعزيز التنمية بمساراتها المختلفة،
وتكريس ممارسات حقوق الانسان واحترام وسيادة القانون، مع مواقف الدول الغربية
المؤثرة التي تدعم انتهاكات حقوق الانسان وسياسات تدمير التنمية وتحد القانون
الدولي في حالة الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين بكل تفاصيله وتداعياته.
لمواجهة
هذه التحديات، عملت وما زالت تعمل العديد من منظمات المجتمع المدني الأردنية وغير
الأردنية العاملة في الأردن، على تطوير طرق جديدة تسعى من خلالها إلى تعزيز
استقلالية منظمات المجتمع المدني في الأردن. وتطرح مجموعة من القضايا، تتمثل في إعادة
تعريف العلاقة مع الجهات الممولة على اختلاف أنواعها، من خلال تعميم استخدام
معايير ومبادئ تمثل إطارا مرجعيا لمنظمات المجتمع المدني في الأردن، ترفض فيها الشروط
السياسية التي من الممكن استخدامها من قبل بعض الجهات الممولة، وتبني منهجية تحترم
الأولويات الوطنية، وتعزز استقلالية المجتمع المدني من خلال السماح للمنظمات
بتحديد برامجها التنموية الحقوقية بشكل مستقل.
والى
جانب إعادة تعريف العلاقة أعلاه، تعمل منظمات المجتمع المدني على تعزيز التشبيك والتحالفات فيما بينها، لتقوية تأثيرها ودعمها للتنوع
والفاعلية في العمل التنموي، وهذه الشبكات والتحالفات تسهم في تبادل الموارد
والخبرات، وتمكين المنظمات من الصمود في وجه أية ضغوط مالية أو سياسية. وهذه الشبكات
والتحالفات يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تمتين الموقف التفاوضي للمجتمع المدني تجاه
الجهات الداعمة، كما تساهم في تحسين قدراته التنسيقية على المستويين المحلي
والدولي.
وفي ذات
السياق، يتم العمل على البحث عن خيارات أخرى للحصول على دعم وتمويل، مثل إنشاء
صناديق وقفية لدعم وتمويل أنشطة هذه المنظمات، وتعزيز العمل التطوعي، واللجوء إلى
التمويل الجمعي، مما يخفف من الاعتماد على التمويل من الجهات التقليدية المتعارف
عليها، بحيث يمكن لهذه البدائل أن تساهم في دعم الاستقلالية المالية للمنظمات.
أحد
الخيارات الواعدة التي يتم مناقشتها العمل عليها في الأردن، بناء شراكات مع القطاع
الخاص في الأردني، رغم أن حجم القطاع الخاص في الأردن صغير نسبيا، إلا أن هناك
فرصا لتطوير هذه العلاقة من خلال تبني خطاب تنموي يعكس احتياجات المجتمع المحلي.
ومن خلال بناء تحالفات استراتيجية مع العديد من الشركات، ويمكن تعزيز الاستثمار
الاجتماعي بشكل يُمكّن المنظمات من الحصول على تمويل لتنفيذ أنشطتها.
تشير
التجارب السابقة إلى أن الحملات المحلية والدولية، التي تتبنى خطابا مناصرا لحقوق
الشعب الفلسطيني، ويعادي الطبيعة الاستعمارية لدولة الاحتلال الإسرائيلي في
فلسطين، يمكن أن تخلق ضغطا كافيا لتغيير السياسات التمويلية. هذا الوضع يعزز من
موقف المنظمات التي ترفض التمويل المشروط، ويسمح لها بالتفاوض من منطلق قوة، إذا
ما تمكنت من تنظيم صفوفها والتحدث بصوت واحد.
إن
الحديث عن استقلالية المجتمع المدني في الأردن يتجاوز مسألة التمويل، ليصل إلى
ضرورة إعادة بناء هيكلية العمل المدني نفسه. وهذا يتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين
الاعتبار التحديات السياسية والاقتصادية المحيطة، مع التركيز على إيجاد مساحات
للحوار، تعزيز التعاون المحلي، والبحث عن مصادر تمويلية تتماشى مع أولويات
المنظمات والمجتمعات المحلية والوطنية، بما يكفل استقلاليتها وفاعليتها.