آخر التطورات
عد الى الخلفالمجتمع المدني الأردني: أدوار ملموسة وبيئة غير ممكّنة
تشكل المجتمعات المدنية عاملا أساسيا في
البنية الاجتماعية والسياسية للدول، حيث يكون لها دور محوري في تحقيق حقوق الإنسان
وتعزيز العدالة الاجتماعية. تعد الأردن واحدة من الدول التي تشهد تطورات وتحديات
في هذا المجال، حيث يصبح دور المجتمع المدني أكثر أهمية في سياق التحولات السياسة
والاقتصاد المحلية والإقليمية.
في ظل الظروف السياسية والاجتماعية
الراهنة في الأردن، تزايدت أخيرا أعداد المقالات التي تنتقد دور المجتمع المدني،
بشكل مباشر وغير مباشر. وفي الوقت الذي تدخل فيه عمليات النقد هذه في إطار حرية
الرأي والتعبير. فإن بعض هذه الانتقادات تدخل في باب رفض فكرة وجود منظمات المجتمع
المدني المدافعة عن حقوق الانسان وتعزيز مسارات التنمية المستدامة، وتتهمها
اتهامات عديدة باعتبارها تسهم في الكشف عن عيوب المجتمعات، وتحاول ادخال ثقافة
غريبة عن مجتمعنا الأردني، وتتوسع الاتهامات لتصل حد ادعاء ممارسات الفساد المالي
وغيرها من التهم المعلبة التي ترمى في وجه نشطاء المجتمع المدني.
يرافق ذلك عمليات تضييق على مساحة العمل
المدني لمنظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات الدفاع عن حقوق الانسان وتعزيز
التنمية المستدامة، سواء من حيث القيود الموجودة في التشريعات الناظمة لعمل منظمات
المجتمع المدني أكانت جمعيات أو نقابات أو شركات لا تهدف إلى تحقيق الربح، إلى جانب
القيود ذات الطابع السياسي، التي تمارس خارج إطار القانون، والتي تحمل أيضا قيودا،
ويرجح أن تضيق أكثر مساحة العمل المدني بعد إقرار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد،
والتعديلات الجديدة المزمع إجراؤها على قانون وزارة التنمية الاجتماعية التي ستقيد
قدرة منظمات المجتمع المدني على جمع التبرعات محليا، ومع ذلك، يجب أن ينظر إلى دور
المجتمع المدني بنظرة شاملة تأخذ في الاعتبار التحديات والفرص المتاحة.
وهذا يأتي في الوقت الذي تتطلع فيه
منظمات المجتمع المدني الأردنية والأجنبية العاملة في الأردن إلى أخذ مزيد من
الأدوار لمواجهة التحديات التي يواجهها الأردن، وعلى مختلف المستويات، سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا ومناخيا أيضا.
وتشير التحولات السريعة والتطورات
الكبيرة على الساحة الدولية إلى أن هناك مناخا سياسيا جديدا يفتح الباب أمام المزيد
من التفاعل بين الحكومات والمجتمعات المدنية. ومن هذا المنطلق، أصبحت منظمات
المجتمع المدني أكثر تأثيرا على عملية صنع القرار ومراقبة احترام حقوق الإنسان.
تقوم تلك المنظمات برصد حالات انتهاك حقوق الإنسان وتوثيقها، من خلال جمع البيانات
والشهادات من الضحايا والشهود. وتتولى المنظمات مهمة إبراز التحديات والقضايا
الحقوقية، وتعمل على توجيه الانتباه إلى أوجه القصور في السياسات والتشريعات.
بجانب مراقبة حقوق الإنسان، تعمل عشرات
المنظمات المدنية في الأردن على تقديم المساعدة القانونية والاستشارات للأفراد
الذين يحتاجون إليها. فمن خلال تقديم هذه الخدمات، يتم تمكين الأفراد من معرفة
حقوقهم والدفاع عنها أمام القانون. وتسهم هذه المبادرات في تعزيز مفهوم العدالة
الاجتماعية وتحقيق التوازن بين المواطنين والسلطات.
علاوة على ذلك، يلعب المجتمع المدني
دورا مهما في تطوير البنية الديمقراطية للدولة. تشارك هذه المنظمات في صياغة
السياسات والقوانين من خلال تقديم توصيات واقتراحات تبرز مصالح المجتمع وتطلعاته.
كما تعزز من تمثيل المواطنين ومشاركتهم في صنع القرار من خلال تنظيم ورشات العمل
والندوات التوعوية.
ويمتد دور المجتمع المدني ليشمل الجوانب
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمناخية. فعلى سبيل المثال، يقوم المجتمع
المدني بتنظيم حملات توعية حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية المهمة، ويعمل على
تشجيع المشاركة الشبابية ودعم ريادة الأعمال الاجتماعية.
كما أن العديد من منظمات المجتمع المدني
تقدم وبشكل دوري دراسات تحليلية للعديد من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية
المختلفة، وتقدم سياسات بديلة وتوصيات تعكس مصالح ووجهات نظر مختلف مكونات
المجتمع.
وفي الختام، وعلى الرغم من التحديات
التي يواجهها المجتمع المدني في الأردني، يظهر واضحا أن المجتمع المدني في الأردن
يلعب دورا حيويا في تعزيز حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية في الأردن. ويستمر
في العمل نحو تعزيز الشفافية والمساءلة، وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرارات.
لذلك؛ نرى أن هناك ضرورة قصوى لتعزيز ودعم عمل هذه المنظمات وتمكينها لتحقيق تأثير
أكبر وأكثر فاعلية في تحقيق التغيير الإيجابي في الأردن باتجاه مزيد من الدمقرطة
والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الانسان، وهذا يتطلب إزالة جميع القيود
المفروضة على عمل مختلف منظمات المجتمع المدني وخلق بيئة ممكنة لتعظيم أدواره.