آخر التطورات
عد الى الخلفالأردن: رؤية جديدة لجعل أماكن العمل أكثر ترحيبا بالعاملين من ذوي الإعاقة
يعد الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة وتقديم أنواع الدعم والتمكين
النفسي والاجتماعي والاقتصادي لهم من المؤشرات ذات الأهمية في نمو وتقدم ذوي
الاعاقة، فللأشخاص ذوي الاعاقة حياتهم الخاصة التي تتأثر بالإعاقة، مثل نظرتهم الى
ذاتهم وفاعليتها والتفكير الإيجابي والسلبي الذي يُدعَّم بمؤازرة أفراد المجتمع. وإذا ما انطلقنا من قاعدة أن من المستحيل
اعتبار التنمية شاملة إذا استثنينا منها فئة الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن عدم
الاهتمام بتنمية قدرات هذه المجموعة شديدة التعرض للفقر سيترك أثراً سلبياً على ما
لا يقل عن (11.2%) من مجموع سكان الأردن بما يُقارِب (651) الف شخصا، موزعين بما
نسبته (43%) ذكور و(57%) اناث.
حيث يتعرض ذوي
الإعاقة للتمييز والحرمان من الحقوق، تجلت أبرزها في عدم استخدامهم كقوة عاملة،
فطفت على السطح معدلات عالية من البطالة في صفوفهم، وإن تم استخدامهم في بعض
الأحيان فهم غالباً ما يعملون في وظائف متدنية المستوى وبأجر منخفض، مما يعكس
المواقف السلبية والاحكام المسبقة لدى العامة وأصحاب العمل بأن الأشخاص ذوي الاعاقة
عاجزون عن العمل، ومن هذا المنطلق، كان من الضروري وجود تدخلات لضمان حقهم في
العمل.
ويتبنى عالم العمل
لذوي الاعاقة فلسفة أساسية تركز على الفرد من ذوي الإعاقة بأنه إنسان يستحق العيش
بكرامة واحترام في مجتمعه، والانتقال من فكرة الاعتماد على الآخرين الى ضرورة
الاعتماد على الذات، وهو ما يتطلب بالضرورة توفير أكبر قدر ممكن من فرص العمل له
في بيئته الاجتماعية وما يستلزمه العمل من أدوات ومعدات وتسهيلات تساعده في
إنجازه.
وبناء على الفلسفة السابقة واستجابة للتوجهات العالمية بضرورة الاهتمام
بإدماج ذوي الإعاقة، سعى الأردن كغيره من البلدان بالاهتمام بهم ورعاية شؤونهم،
ومن مظاهر الدعم لهذه الحقوق ما تجلى في الإطار التشريعي الذي كفل لهم كامل الحقوق
من فرص متكافئة كغيرهم من أفراد المجتمع الأردني، كما ظهرت ملامح الحركة الحقوقية
للأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن، من خلال قانون رعاية المعاقين الذي تم إقراره عام (1993) رقم (12)، باعتبار ذوي
الاعاقة بغض النظر عن جنسه له من الحقوق كغيره في الدمج الاجتماعي، التعليم،
العمل، الوقاية، التدريب، التأهيل، الرياضة، الترفيه وتوفير الأدوات اللازمة
والإعفاءات والمشاركة في صنع القرارات.
وتؤدي مؤسسات المجتمع المدني دورا بارزا في تسليط الضوء على التحديات التي
يواجهها الأشخاص من ذوي الاعاقة، من خلال البرامج والأنشطة والمشاريع التي تعمل
عليها، والتي تستهدف بناء القدرات والمعارف والمهارات الفنية التي تؤهلهم للعمل،
بالإضافة الى تمكينهم ودمجهم
بالمؤسسات والمجتمع بمشاركة فعاليات شعبية ورسمية.
ولا يخفى دور تلك
المنظمات في مساعدة ذوي الإعاقة وتدريبهم وتشغيلهم، وتوفير ظروف العمل الآمنة
والصحية، من خلال مشاريعهم العديدة ومبادراتهم الرامية الى تهيئة المباني المناسبة
ومطابقتها للمعايير والمواصفات الخاصة بذوي الإعاقة مثل مبادرة "نحو بيئة آمنة وصديقة للأشخاص ذوي الإعاقة"، ومبادرة "سوا"
لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتأتي التوعية بحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة وما هي التحديات التي يواجهونها،
وكيف من الممكن للمجتمع ان يتقبل الاختلاف والاعتراف بالتنوع البشري، في سلم
الأولويات لمنظمات المجتمع المدني الأردني من خلال الدراسات والتقارير العديدة
التي تقوم بها والتي تسلط الضوء على حقوق العمال من ذوي الإعاقة في عالم العمل، حيث أشار تقرير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية
والمعلوماتية أن ضعف البنية التحتية المناسبة لعمل الأشخاص ذوي الإعاقة قد ساهم في
اضعاف فرص تشغيلهم من حيث عدم توفر المصاعد وعدم توفر وسائل نقل عام مناسبة، كما
يعاني الكثير منهم من عدم شمولهم في أنظمة الحماية الاجتماعية وخاصة الضمان
الاجتماعي والتأمين الصحي، لأن غالبيتهم يعملون في القطاعات الاقتصادية غير
المنظمة، إضافة الى عدم تشغيلهم وفق المؤهلات العلمية التي يحملونها.
وغالبا ما يفتقر الأشخاص ذوي الإعاقة الى وسائل النقل التي يتيسر لهم
استخدامها، ومن هنا أطلقت منظمات المجتمع المدني الكثير من حملات المدافعة لتمكين الأشخاص
ذوي الإعاقة من استخدام وسائل النقل العام سواء للعمل أو الترفيه كمبادرة "مجد"
التي تنظم الرحلات السياحية لذوي الإعاقة وتسعى لإيجاد حلول لنقل ذوي الإعاقة
الحركية، وخلق بيئة مناسبة وتسهيلات في الاستراحات على الطريق العام و العمل من
خلال الشراكة مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والجهات المختصة لتحسين
هذه الأماكن من منظور إعطاء حياة جديدة لذوي الإعاقة في الأردن، والعمل على تحسين
العامل النفسي لهم وتوفير التسهيلات المناسبة والتي هي حق لهم.
وكان لصدور نظام
تشغيل ذوي الإعاقة رقم (35) لعام 2021 دور كبير لتعزيز حق ذوي الاعاقة بإيجاد فرص
عمل وبيئة تيسيرية تدعمهم، حيث يفرض النظام على أصحاب العمل التزامات تسهم
بزيادة تشغيلهم، إلا أن جني ثمار هذه القاعدة العامة المنصوص عليها في قانون حقوق
الأشخاص ذوي الإعاقة والمتمثلة بحظر التمييز يستدعي انسجام تلك التشريعات الوطنية مع
الممارسة الفعلية على أرض الواقع، الأمر الذي طالبت به منظمات المجتمع المدني من
خلال التحالفات الشعبية التي تناشد بتفعيل القوانين وكان من أبرزها ما دعت اليه
حملة "حقي اشتغل" الداعية الى تفعيل وتعديل المادة 4 من قانون
حقوق الأشخاص المعوّقين رقم (31) لسنة 2007.
وبالنظر الى حقوق
العمال ذوي الإعاقة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين الوطنية، وما
تفرضه القيم الإنسانية المتمثلة بطبيعة التكافل الاجتماعي وحق العامل ذوي الإعاقة
على مجتمعه، لا بدَّ من توفير الفرص والإمكانات والاجراءات التيسيرية والرعاية
الاجتماعية التي ستنعكس بالضرورة على بناء شخصية العمال ذوي الإعاقة وتقوية
ارادتهم الامر الذي يحميهم من الوقوع ضحية للاغتراب النفسي
والاجتماعي، حيث أن ما
يعطي للحياة قيمتها الفعلية لا يقاس بما يملكونه أو لا يملكونه بل بقدرتهم بالتمتع
بما لديهم لتغدو أماكن العمل أكثر ترحيبا للأشخاص ذوي الاعاقة.
مايو/ أيار 2023
مركز
فينيق للبحوث والدراسات الحقلية