آخر التطورات
عد الى الخلفالأردن: المزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير في مشروع قانون الجرائم الالكترونية
من غير المتوقع أن تمر سريعا موجة الاحتجاجات المدنية والسياسية ضد القيود الجديدة التي يحملها مشروع قانون الجرائم الالكترونية الجديد في الأردن، والذي يجري تمريره حاليا عبر مجلس النواب ومن ثم مجلس الأعيان، الذي يتوقع أن يمرره سريعا.
حيث غافلت الحكومة الأردنية المجتمع السياسي والمدني والمدافعين عن حقوق الانسان بدعوتها مجلس الأمة "النواب والأعيان" لإقرار مشروع قانون جديد للجرائم الالكترونية ومنحته صفة الاستعجال. يتضمن مشروع القانون مجموعة كبيرة من الجرائم الجديدة، وايقاع عقوبات كبيرة غير مسبوقة في المنظومة التشريعية الأردنية – بالسجن والغرامة – لمرتكبي بعض الأفعال التي جرمها مشروع القانون.
وعلى خلاف مشاريع القوانين الأخرى، لم يتم عرض مشروع القانون على موقع ديوان التشريع والرأي التابع لرئاسة الوزراء لمدة أسبوعين كما هو معتاد، والطلب من أصحاب العلاقة ابداء الرأي فيه، وارسال ملاحظاتهم حول مضامينه، وهو الذي يعد واحدا من أكثر القوانين تقييدا للحريات العامة، وعلى وجه الخصوص حرية الرأي والتعبير.
ويبدو أن الحكومة كممثلة لبنى الدولة العميقة، أرادت الإسراع في تمرير هذه القانون بما يتضمنه من قيود إضافية على حرية الرأي والتعبير في زمن قياسي، يغلق الباب أمام المناقشات والاحتجاجات عليه من قبل مختلف الأطراف.
الغريب أن هذا المشروع أتى في وقت تعلن فيه مختلف أجهزة الدولة عن مضيها قدما في مشروع الإصلاح الشامل والذي تضمن مشروع التحديث السياسي ورؤية التحديث الاقتصادي وخطة التطوير الإداري، حيث يتم الترويج لهذا المسار بشكل يومي من قبل الحكومة.
بعد أيام محدودة جدا من المناقشات في اللجنة القانونية لمجلس النواب، تم خلالها دعوة عدد محدود جدا من منظمات المجتمع المدني المستقلة، والعديد من منظمات المجتمع المدني الداعمة لمشروع القانون المقترح، تم تمرير مشروع القانون تحت القبة في مجلس النواب خلال ساعات قليلة من المناقشات من بعض أعضاء مجلس النواب.
وقامت اللجنة القانونية في مجلس النواب كما هو متوقع بتخفيض سقوف العقوبات التي فرضها مشروع القانون، حيث بلغت الغرامات المالية مستويات عالية جدا على بعض الأفعال التي يجرمها مشروع القانون والتي وصل بعضها الى 70 ألف دولار، الى جانب السجن لثلاث سنوات. وتجاهلت اللجنة غالبية المقترحات التي قدمتها بعض منظمات المجتمع المدني الحقوقية ونقابة المحامين والعديد من الخبراء القانونيين والأحزاب السياسية، والتي أجمعت على أن بعض نصوص القانون ستقيد بشكل كبير مساحة الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير أكثر مما هي مقيدة حاليا.
تضمن مشروع قانون الجرائم الالكترونية الجديد مجموعة من المواد التي من شأن تطبيقها تشديد التقييد على حرية الرأي والتعبير وحرية الانترنت في الأردن، من حيث تحصين الشخصيات العامة من النقد، وتقييد الدخول على بعض المواقع والصفحات، والحد من تبادل الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تراها الحكومة كاذبة، وتساهم في نشر الاشاعات. الى جانب تحميل إدارات المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي المختلفة مسؤولية قانونية على ما يكبته المعلقون على مواقعهم وصفحاتهم.
وتضمن مشروع القانون مجموعة من الأفعال التي وصفها بالجرائم باستخدام مصطلحات وتعابير غير منضبطة وغير واضحة التعريف، ولا تتناسب مع الأصول القانونية في التجريم والعقاب لاحتوائها على أكثر من دلالة، وتحتمل التوسع في تفسيرها، ما يفتح المجال أمام الانتقائية في تطبيقها، مثل اغتيال الشخصية واثارة النعرات وازدراء الأديان، وتهديد الوحدة الوطنية والحض على الكراهية، والدعوة الى العنف أو تبريره.
في هذا السياق، تنادت بعض منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الانسان للتصدي لمشروع القانون في وقت قصير جدا، حيث قامت هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم" وهو تحالف يتكون من 11 مؤسسة مجتمع مدني أردنية تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز التنمية المستدامة، بإرسال رسالة الى رئيس مجلس النواب، طالبت فيه مجلس النواب التأني في مناقشة مشروع القانون بهدف إتاحة إجراء مشاورات واسعة شاملة.
وقت أعربت "همم" عن قلقها العميق بشأن مشروع القانون، وبينت في رسالتها أن إقراره بهذا الشكل سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على الحريات العامة ومسار الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأوضحت أن هذا القانون بحاجة الى دراسة لأثره الاجتماعي والاقتصادي أو الفني الذي سيترتب على تطبيقه، وبينت "همم" أن لا داعي للنظر فيه بصفة الاستعجال، لكي يأخذ الوقت الكافي من النقاش والمشاورات.
كذلك قامت مجموعة من منظمات المجتمع المدني، بإعداد مطالعة قانونية تفصيلية لمختلف مواد القانون، وقدمت مقترحات محددة لتحسينه، وتم تسليمها للعشرات من أعضاء مجلس النواب، والتواصل هاتفيا مع العديد منهم. الى جانب ذلك تقدمت نقابة المحامين بمذكرة قانونية تضمنت قراءة فنية للعديد من نصوص القانون المقترح طالبت بإجراء تعديلات على بعض مواده. وقدمت بعض الأحزاب السياسية قراءات قانونية في مشروع القانون، تركزت مطالب بعضها بسحب القانون، والأخرى اقتصرت مطالبها على تخفيض العقوبات الواردة في مشروع القانون سواء أكانت غرامات مالية أو فترات السجن، و/أو اعطاء القاضي الحق في جميع العقوبتين أو تفريدها.
أيضا تداعت مجموعة من الأحزاب السياسية والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني الرافضة للقانون لتشكيل "لجنة تنسيقية لسحب قانون الجرائم الالكترونية"، أعلنت عن نيتها التصدي لتمريره من خلال مجموعة من الأنشطة اذ تم تنفيذ عاصفة الكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، استخدمت فيها عدة هاشتاقات تطالب بسحب مشروع القانون، ونفذت كذلك وقفة احتجاجية أمام مجلس النواب قبل أيام، وجهت خلالها انتقادات حادة لمشروع القانون، وطالبت فيه مجلس النواب برد القانون، والحكومة بسحبه.
بالإضافة الى ذلك، فقد شارك مئات المواطنين وممثلي منظمات المجتمع المدني الحقوقية والنشطاء والسياسيين في مسيرة في وسط العاصمة ظهر الجمعة، دعت اليها اللجنة التنفيذية احتجاجا على مشروع القانون، والمطالبة بعدم اقراره.
أحمد عوض، مؤسس ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية
تموز/ يوليو 2023