مصر: تراجع تعاون المؤسسات الحكومية مع منظمات المجتمع المدني

في ظل انشغال مؤسسات المجتمع المدني بموضوع انتخابات الرئاسة القادمة جاء العدوان الجاري على غزة ليضيف لأجندتها موضوعا رئيسيا وبعدا إقليميا لنشاطاتها، وصراعا إضافيا مع منظمات كانت شريكة في الغرب. وعلى جانب الحكومة يبدو ان أموراً كثيرة كانت مؤجلة لما بعد الانتخابات- مثل تخفيض جديد في العملة وحملات تضييق جديدة- قد وجدت في احداث غزة فرصة مواتية لتمريرها مبكرا، في ظل انشغال الرأي العام بعمليات الإبادة الجارية هناك. ويلاحظ انه في ذات الإطار تراجع تعاون المؤسسات الحكومية مع منظمات المجتمع المدني القريبة منها عن ما هو معتاد في الشهور السابقة

 أولا- حرية تكوين الجمعيات:

لم يشهد هذا الملف أي تطورات جديدة خلال هذا الشهر.

ثانيا-حرية عمل الجمعيات والعاملين بها:

اهتمت غالبية منظمات المجتمع المدني بتطور الاحداث في فلسطين خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، فعلى سبيل المثال في 11 من أكتوبر/تشرين الثاني صدر بيان مشترك من عدد من المنظمات طالبت خلاله من السلطات المصرية والمجتمع الدولي باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة دون إبطاء لتقديم الغوث العاجل للشعب الفلسطيني بقطاع غزة، خاصة في ظل الحصار الشامل الذي أعلنته حكومة الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ يوم 9 أكتوبر.[1] وفي 19 من أكتوبر/تشرين الأول أطلقت مجموعة من الرموز السياسية والحزبية والحقوقية والصحفية والشخصيات العامة عريضة شعبية دعت الكيانات والمواطنات والمواطنين للتوقيع عليها لمطالبة السلطات المصرية بموقف رسمي في غزة "يليق بدور مصر ويحفظ أمنها القومي".[2]

كما دعت مجموعة من المنظمات خلال بيان مشترك لها للوقف الفوري لإطلاق النار لإنهاء سفك الدماء المستمر ووقف الكارثة الإنسانية في غزة ومنع المزيد من الخسائر البشرية.[3] كما أثار موقف العديد من الشركاء الغربيين من العدوان حفيظة المؤسسات المصرية حيث رأوا انه موقف غير عادل وغير منصف وتمثل ذلك في حوارات حادة مع بعض المنظمات خاصة الألمانية، ووصل في أحيان لإعلان مسئولي بعض المنظمات وقف التعامل مع منظمات رأت في موقفها دعما للعدوان مثل إعلان مدير المبادرة المصرية وقف التعامل مع منظمة هيومن رايت واتش بسبب تقريرها في الأيام الأولى من الحرب، بينما أشاد في نفس البيان بتقرير منظمة العفو الدولية.

-       على المستوى الدولي شارك عدد من منظمات المجتمع المدني المصري في أعمال اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش خلال الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول، وشاركت المنظمات النشطة في قمة الحركات الاجتماعية المضادة لاجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (القمة المضادة) وركزت خلال المشاركة على أثار سياسات مؤسسات التمويل الدولية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

-       وقبل استعراض لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب للوضع في مصر، في الجلسة المقررة بين 12 إلى 15 نوفمبر 2023، قدمت منظمات حقوقية مصرية ودولية تقريرًا مشتركًا إلى اللجنة، يؤكد أن التعذيب في مصر سياسة ممنهجة، يتمتع مرتكبوه بالإفلات التام من العقاب.[4]

-       أما داخليا فحذرت مجموعة من المنظمات الحقوقية في مصر من استمرار الوضع الراهن، وفشل عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأشاروا إلى ان أن ولاية ثالثة للرئيس السيسي ستصادر أي فرصة لهذا الإصلاح الملح.[5]

-       ومن جانبها اهتمت وزارة التضامن بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في دعم المشروعات متناهية الصغر، وفي برامج التنمية والتي تتم من خلال برنامج "فرصة". كما  عقدت وزيرة التضامن الاجتماعي ووزيرة التعاون الدولي اجتماعًا موسعاً مع المنسق العام لممثلي منظمات الأمم المتحدة في مصر، بهدف تنسيق جهود المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة لأهالي قطاع غزة التي تتم بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري، والاتفاق على آلية منظمة لتداول المعلومات، وتنظيم وحوكمة المساعدات مع تأمين تدفقها الفوري والآمن لقطاع غزة.[6]

ثالثا- حرية التعبير:

استمر استهداف أنصار ومؤيدي ترشح السياسي المعارض أحمد الطنطاوي لانتخابات الرئاسة، وتم القبض على أعداد جديدة على الرغم من إعلانه منعه من الحصول على التوكيلات المطلوبة لإتمام إجراءات الترشح للرئاسة والانسحاب من خوض الانتخابات.[7] وفي الإطار نفسه أدن عددا من المنظمات الحقوقية الانتهاكات التي شابت مرحلة جمع التوكيلات للترشح للانتخابات الرئاسية، لا سيما تلك التي شهدتها مكاتب الشهر العقاري لتوثيق التوكيلات اللازمة للترشح، وأدت عمليًا إلى منع المواطنين من تحرير التوكيلات اللازمة لمرشحيهم.[8]  كنموذج تقدم محامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ببلاغين لنيابة شمال الجيزة بشأن محاولة التعدي على كل من إلهام عيداروس، وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية، ومجدي حمدان موسى، عضو الهيئة العليا والمكتب السياسي بحزب المحافظين، والحيلولة دون تحريرهما توكيلات شعبية لمرشحي انتخابات الرئاسة بمكتب الشهر العقاري.[9]

وأدنت مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية استعمال العنف إزاء الوقفات الاحتجاجية السلمية التي نظمها مئات السكان المحليين المهجرين والنازحين منذ 2013، من مناطق رفح والشيخ زويد شمال شرقي سيناء للمطالبة بالعودة لأراضيهم.[10] وكذلك القبض على عشرات المواطنين من الذين شاركوا في تظاهرات لدعم الشعب الفلسطيني في 20 أكتوبر/تشرين الأول، وطالبت بالإفراج الفوري عن كل من ألقى القبض عليه بسبب اشتراكه في هذه التظاهرات، حيث تشكل تلك الاعتقالات إخلالًا خطيرًا بالضمانات الدستورية للحق في التجمع السلمي.[11]

صدر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقرير تحت عنوان "الجامعة كأداة للسلطة: تقرير عن انتهاكات المراقبة للجامعات لأنشطة الأكاديميين خارج الجامعة"، والذي ناقشت خلاله تغول سلطة الجامعة خلال السنوات الأخيرة، التي امتدت لتشمل مراقبة الحياة الخاصة لأعضاء هيئة التدريس والطلاب.[12]

 رابعا-الوصول إلى المعلومات:

قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حجب الموقع الإلكتروني "مدى مصر" ورابطه الإلكتروني لمدة ستة أشهر. وجاء قرار الحجب  بسبب ممارسة الموقع النشاط الإعلامي دون الحصول على ترخيص بذلك من المجلس ما يعد مخالفة للمادتين 6 و59 من القانون 180 لسنة 2018 ولنشره أخباراً كاذبة دون التحري من مصادرها والتدليس على الجمهور والإضرار بمقتضيات الأمن القومي. وقد جاء القرار عقب انعقاد جلسة تحقيق استمع خلالها المجلس لرئيسة تحرير الموقع في الشكاوى المقدمة ضد الموقع بسبب نشر موضوع حول مشاريع تهجير أهالي غزة لسيناء.[13]

خاتمة:

شهد شهر اوكتوبر العديد من الفاعليات الإقليمية والدولية والمحلية، على المستوى الإقليمي كانت المساحة الأكبر للتفاعل مع العدوان الجاري على غزة سواء على المستوى الحقوقي أو الخيري، ودوليا كان الاشتباك الأساسي مع اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي في مراكش الذي عقد في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول عبر المراكز التنموية والبحثية، من خلال المشاركة في أعمال القمة المضادة. أما محليا فقد احتلت الانتخابات الرئاسية  اهتمام العديد من المؤسسات عبر رصد انتهاكات التي شهدتها عملية جمع والتوكيلات وما تلاها.