الفضاء المدني في المنطقة العربية

يسعى هذا المرصد إلى تغطية أخبار الفضاء المدني في المنطقة العربية وتحليلها ومواكبة المجتمع المدني بكافة تحدياته وانتقالاته
البحرين: قراءة موجزة حول الفضاء المدني في ظل الحرب على غزة فلسطين:حقوق الإنسان - حبر على ورق – انتهاكات مستمرة وازدواجية معايير موريتانييا: التحديث الشهري لأنشطة الفضاء المدني خلال شهر أكتوبر 2024 الجزائر :البيئة التمكينية لشهر تشرين الأول أكتوبر2024 السودان: حالة الفضاء المدني -تقرير شهر أكتوبر 2024 العراق :ايقاظ مذكرات قبض منسية تحت الرماد المغرب :إضرابات واحتجاجات اليمن: بين تهم الجاسوسية وصمت العالم: استمرار احتجاز الحوثيين للعاملين في الإغاثة والمجتمع المدني لبنان: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مصر: تقرير المجتمع المدني البحرين: قراءة موجزة حول الفضاء المدني في ظل الحرب على غزة الجزائر: دعوات لإطلاق سراح سجناء الرأي مصر: استمرار تعاون الدولة مع منظمات المجتمع المدني العراق: المجتمع المدني وصراع جديد للوصول الى المعلومات المجتمع المدني في الأردن: تحديات التمويل والاستقلالية لبنان : الاعتداءات الاسرائيلية على الصحافيين المغرب: عودة قضية الهجرة غير النظامية لتخيم على المشهد العام الفضاء المدني في فلسطين: مسرحا لانتهاكات حقوق الإنسان اليمن: اعتقالات واسعة حالة الفضاء المدني في السودان
آخر التطورات
عد الى الخلف
الأردن: الاستثمار المؤثر, مسار تنموي داعم للمجتمع المدني
Nov 26, 2024

الأردن: الاستثمار المؤثر, مسار تنموي داعم للمجتمع المدني 

 

مركز الفينيق للدراسات



يواجه المجتمع المدني في الأردن تحديات متزايدة تتعلق بضعف التمويل والاعتماد الكبير على المنح الخارجية ذات الأطر الزمنية القصيرة نسبياً، مما يضعف قدرته على تحسين سبل العيش المستدامة للفئات الأكثر ضعفا، مثل النساء، الشباب، كبار السن، الأطفال، اللاجئين، والأشخاص ذوي الإعاقة. هذه التحديات تعرقل إمكانية إحداث أثر طويل الأمد في قطاعات حيوية كالتعليم، الصحة، والبيئة، العمل، في ظل محدودية الموارد المتاحة.

في هذا السياق، ظهر مفهوم الاستثمار المؤثر (Impact Investment) كحل مبتكر يقدم بديلاً مستداماً لمصادر التمويل قصيرة المدى. من خلال الجمع بين الأثر الاجتماعي والعائد المالي، يدعم هذا النموذج من الاستثمار المجتمع المدني في تجاوز العقبات التمويلية. كما يُتيح فرصة للقطاع الخاص لتفعيل دوره كشريك في التنمية، حيث توجه رؤوس الأموال نحو مبادرات تستجيب للتحديات المجتمعية وتعود بالنفع على الفئات الأكثر حاجة، ما يُسهم في سد الفجوة التمويلية ودعم المشاريع التنموية المستدامة.

يتكامل مفهوم الاستثمار المؤثر مع الحلول التي يقدمها لتمويل المشاريع التنموية عبر إشراك مجموعة متنوعة من الأطراف الفاعلة التي تعمل معاً لتحقيق التنمية الشاملة ومعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بفعالية. لا يقتصر الأمر على القطاع الخاص، بل يشمل الحكومات، من خلال توفير السياسات الداعمة والحوافز المالية، والجهات الدولية، من خلال التمويل وتقديم الخبرات الفنية. يضاف إلى ذلك مساهمة الأفراد ذوي الدخل المرتفع، الذين يوجهون استثماراتهم نحو مشاريع تركز على الأثر الاجتماعي والبيئي المستدام.

يلعب المجتمع المدني دوراً أساسياً في ربط الجهود التنموية بالفئات المستهدفة، مثل النساء، الشباب، اللاجئين، والمجتمعات المحلية. بفضل قربه من هذه الفئات، حيث يُعد المجتمع المدني المحرك الرئيسي الذي يترجم أهداف الاستثمار المؤثر إلى مشاريع ملموسة تلبي احتياجات المجتمعات بفعالية.

في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردن، يمكن للاستثمار المؤثر أن يكون وسيلة فعّالة لدعم جهود المجتمع المدني من خلال مشاريع ومبادرات تترك أثراً إيجابياً ومستداماً. من أبرز هذه المبادرات، تمكين الشباب، حيث يمكن إنشاء مراكز تدريبية خاصة في المناطق الأقل حظاً لتطوير مهارات الشباب العاطلين عن العمل. بالإضافة إلى التدريب الحرفي ما يساعدهم على بدء مشاريع صغيرة تؤمن لهم دخلاً مستداماً.

وعلى صعيد تمكين النساء في المناطق الريفية، يُمكن للاستثمار المؤثر أن يساهم في إنشاء مشاغل إنتاجية تتيح للنساء إنتاج الحرف اليدوية، ما يوفر لهن دخلاً مستقراً يعزز من استقلاليتهن. وفيما يتعلق باللاجئين، يمكن توجيه الاستثمار المؤثر لدعم التعليم في مخيمات اللاجئين، من خلال تقديم منح صغيرة تساعدهم على بدء مشاريعهم الخاصة. إلى جانب تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تمويل برامج تدريبية تركز على تطوير مهاراتهم مما يعزز من قدرتهم على الاندماج في سوق العمل. وفي مواجهة التحديات البيئية، فإن دعم مشاريع إعادة التدوير التي تنفذها منظمات محلية يُعد من أهم مجالات الاستثمار المؤثر. ما لا يسهم فقط في حماية البيئة، بل أيضاً في توفير فرص عمل جديدة. إضافة إلى ذلك، يمكن تمويل برامج بيئية لمواجهة تحديات التغير المناخي.

مؤسسة "روّاد التنمية" الأردنية تُعد مثالاً ناجحاً على الاستثمار المؤثر في المملكة، تأسست بمبادرة من ريادي الاعمال ومؤسسات القطاع الخاص التي تستثمر سنويا في الميزانية التي تعنى ببرامج المؤسسة الأساسية وهي برنامج بناء وتنظيم قيادة الشباب إذ يحصل الشباب الكادح على منح تعليم جامعية و مهنية مقابل خدمة المجتمع و التطوع في برامج تنمية الطفل ومساحة رواد الابتكارية لليافعين و برنامج دعم المجتمع و المراءة في مراكز رواد المجتمعية التي تجسد مفهوم الجامعة المجتمعية. تركز رواد على تحقيق أثر اجتماعي واقتصادي طويل الأمد من خلال تمكين المجتمعات التي تسعى للتغلب على التهميش بالتركيز على التعليم، برامج الشباب التطوعية، وتنظيم العمل الأهلي مع القواعد الشعبية. تعمل "روّاد التنمية" على إنشاء شراكات بين القطاع الخاص، المجتمع المدني، والحكومة، بهدف تحقيق تأثير اجتماعي واقتصادي مستدام في الأحياء التي تسعى للتغلب على التهميش في الأردن ( شرق عمان و الطفيلة) و توسع نموذج العمل إلى لبنان و فلسطين . كما و تعزز المؤسسة العدالة الاقتصادية من خلال مشاريع دعم المشاريع الإنتاجية الصغيرة، حيث تركز برامجها على التمكين الاجتماعي والاقتصادي للنساء والشباب، تسهم "روّاد" في تعزيز ريادة الأعمال في المجتمعات المحلية، مما يساعد على خلق فرص عمل وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. تُقدم المؤسسة الدعم المالي والفني للشركات الناشئة في مجالات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة، مما يساهم في تحسين الأداء البيئي والاجتماعي للمشاريع. كما أن استراتيجيتها تركز على استخدام الابتكار والتكنولوجيا وتطوير عقلية المستكشف و تعزيز التعاطف و التضامن لتحسين الإنتاجية وتقليل الفجوات التنموية في المجتمعات المحلي.

الجدير بالذكر، انه لا تزال هناك عقبات تحد من القدرة على الاستثمار المؤثر، حيث يواجه القطاع الخاص في الأردن تحديات تعيق توسيع نطاق هذا النوع من الاستثمارات. يُعد غياب السياسات الحكومية المشجعة والحوافز الضريبية من أبرز العقبات التي تواجه القطاع الخاص في هذا المجال. ولا يزال مفهوم الاستثمار المؤثر حديث نسبياً، حيث تفتقر الكثير من شركات القطاع الخاص إلى الفهم الواضح لأهمية الاستثمار المؤثر وكيفية تحقيق التوازن بين الأثر الاجتماعي والعوائد المالية. إلى جانب ذلك،  تفتقر منظمات المجتمع المدني إلى البيئة التمكينية الداعمة من الدولة لتطوير شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص.

يمكن القول إن تفعيل الاستثمار المؤثر في الأردن، يتطلب دمج الموارد المالية والخبرات التقنية التي يمتلكها القطاع الخاص مع القدرات التنفيذية للمجتمع المدني، إلى جانب إزالة العقبات التشريعية والتنظيمية التي تعتبر أساساً حاسماً لتمكين هذه الشراكات التنموية من تحقيق أثر إيجابي ومستدام على التنمية في المملكة.