آخر التطورات
عد الى الخلفلبنان: مجلس شورى الدّولة يؤكّد على حقّ الشعب اللّبناني بمعرفة نتائج التدقيق الجنائي... وحريّة الصّحافة على المحكّ بعد الحكم القاسي على إعلامية بسبب تغريدة ضدّ تيّار سياسي
قراريّْ مجلس شورى الدّولة يعزّزان حماية وضمان الحقّ في الوصول للمعلومات
بعد أن أصدر مجلس شورى الدولة في
القرار الصادر بتاريخ 17/7/2023، حيث أسقط فيه صفة السّرية عن التّدقيق الجنائي
الذي تقوم به شركة ألفاريز
آند مارسال (Alvarez
and Marsal)،
عاد مجلس شورى الدولة في ظرف أقل من أسبوع ليصدر قرارًا ثانيًا أكّد فيه على عدم
قانونية التّذرع بسريّة نتائج التدقيق الذي أجرته الشركة (Alvarez and Marsal) بتكليف من الحكومة اللّبنانية بشأن حسابات
مصرف لبنان كافّة. وقد صدر القراريْن الأول والثاني عن القاضي نفسه كارل عيراني،
وقد خلص عيراني إلى إقرار الحقّ بالحصول على نسخة من التقرير المبدئي للشركة، وذلك
سندًا لقانون الحقّ في الوصول إلى
المعلومات.
وقد أكّد القرار الأول بأنّ
مفهوم "الأمن القومي المالي" الذي استندت إليه الدولة في تبريرها رفض
تسليم المعلومات والمستندات هي عبارة جديدة أضافتها الدولة إلى القانون الذي خلا
تماما من أي ذكر لها. ثم ذهب القرار إلى ما هو أبعد من ذلك، فاعتبر القرار أنّ
الحال هي على عكس ما تتذرّع به الدّولة اللبنانيّة تمامًا. فإنّ رفض تسليم
المعلومات المتعلّقة بالمراحل التي وصل إليها التحقيق الجنائي والنتائج التي توصّل
إليها هو الذي من شأنه أن يعرّض الأمن القومي المالي للخطر، لما يمثّله هذا
التدقيق من أهمية لجميع اللبنانيين في ظل الوضع الاقتصادي والأزمة المالية التي
أصابت البلاد برمتها وأدّت إلى الانهيار المالي.
في الاتجاه نفسه، ذهب القاضي في
القرار الأخير، حيث لم يكتفِ بإعلان حق المستدعي كما أي فرد بالوصول إلى
المعلومات، بل ذهب إلى إعلان أن التقرير هو ملك للشعب اللبناني الذي له حقّ موازٍ
لحقّ أيّ سلطة إدارية أو قضائية، بمعرفة الأسباب الواقعية والقانونية وغير المعلنة
التي أدّتْ إلى انهيار النظام الاقتصادي والمالي برمّته للدولة اللّبنانية.[1]
تجدر الإشارة إلى أنّه على
الرغم من كلّ الأصوات التي علت مطالبةً وزير المالية بالكشف عن التقرير المبدئي
للتدقيق الجنائي والتي واكبها موقف مجلس شورى الدولة الحاسم في القراريْن الصّادريْن
في هذه القضية، ما يزال الوزير ممتنعًا عن كشف التقرير وأية معلومات أخرى متعلّقة
بالتدقيق الجنائي. فيبقى السّؤال الأهم، هل تلتزم وزارة المالية بتنفيذ قرارات مجلس
شورى الدّولة؟
السّجن سنة بدعوى قدح وذمّ… تنفيذ حرفي للقانون أم انتهاك لحريّة الصحافة؟
تعود مسألة حريّة
الصّحافة للواجهة بقوّة، بعد أن صدر بتاريخ 10/7/2023 حكمٌ عن القاضية المنفردة
الجزائية في بيروت روزين حجيلي، بحق الصّحافيّة ومقدّمة البرامج اللّبنانية ديما
صادق، أدانها بجرائم القدح والذّم وإثارة النعرات المذهبية سنداً للمواد 582 و584
و317 من قانون العقوبات. قضى الحكم الوجاهي بسجن صادق مدة سنة، وبتجريدها من بعض حقوقها المدنية، إضافة إلى
إلزامها بدفع تعويض قدره 110 ملايين ليرة لبنانية كعطلٍ وضرر للمدّعي (التيار
الوطني الحرّ).
تعود قضية صادق إلى شباط 2020،
حين تقدّم التيار الوطني الحر، برئاسة النائب جبران باسيل، بدعوى ضدّها استناداً
إلى تغريدة وصفت فيها التيار بـ"النازي" على خلفية خبر اعتداء مناصريه
على أحد المتظاهرين. يعدّ الحكم من أقسى الأحكام الوجاهية الصّادرة في قضايا
متعلقة بحرية التعبير في لبنان، كما تعتبر هذه قضية الرأي الأولى التي يصدر فيها
حكمٌ وجاهيٌ بالسجن ضدَ المدعى عليه (ضمن قضايا الرأي).
بدورها، وصفت وكيلة صادق القانونية، المحامية ديالا
شحادة، القرار بالمدهش، وقالت: "ففي بلد الطائفية المكرّسة من حكامنا لم يصدر
قرار شبيه بالذي صدر اليوم باثارة النعرات الطائفية."[2]
ولفتت في اتصال مع "النهار" إلى أن
"صادق تعتبر شخصاً مؤثراً انتقدت فعلاً عنصرياً ضجّ به لبنان حين اعتدي على
شاب من طرابلس في كسروان، فصدر بحقها حكم قبل أن ينتهي التحقيق في القضية العنصرية
التي تحدثت عنها".
وشددت شحادة على أن صادق ستستأنف القرار و"لن نرضى
بالسجن بأي طريقة"، واضعة ما جرى في ملعب كل من يطالب بإنهاء الطائفية ووقف
خطابات الشحن.
وتعليقًا على الأمر، استنكرت "منظمة العفو
الدولية" بـشدّة التصعيد القضائي في تجريم حرية التعبير، وقالت المنظمة في بيان: "إذ اعتاد ناشطو لبنان التعامل مع شكاوى
ضدّهم من مسؤولين في السلطة، فإنّ الحكم بالسجن على خلفية منشور تحميه حرية
التعبير يُعدّ تصعيداً شديد الخطورة"، وقد حضّت "السلطات على التراجع
عنه فوراً".
إلى ذلك، وثّقت المنظمة أكثر من 10 حالات استدعاء للتحقيق في مكاتب المراكز
الأمنية والعسكرية فقط خلال 2023.
وأكدت "العفو الدولية" أنّه "يجب على السلطات اللبنانية الكفّ
فوراً عن استغلال قوانين التشهير لمضايقة الناشطين والصحافيين وحمايتهم من
الانتقاد، في بلدٍ يعجّ بالأزمات ويكاد يخلو من آليات المحاسبة".
وأضافت: "إنّ القوانين التي تُجيز الحبس لانتقاد مسؤولين حكوميين
لا تتوافق مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير"، مشيرةً إلى أنّه
"ينبغي على البرلمان إلغاء أحكام القدح والذمّ في قانون العقوبات واستبدالها
بأحكام مدنية".
أحمد الحريري، باحث ومستشار قانوني- متخصّص في مجال قوانين حماية البيانات الشّخصيّة