في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في لبنان ثوابت ومتغيّرات. وقد تمّ ذكر الثوابت في التقرير السابق من حيث طبيعة النظام السياسي الطائفي الذي بُنيَ على أساس الزبائنية وتقاسم السلطة بين المكوّنات الطائفية قبل الحرب الأهليّة وبين أمراء الحرب بعد العام 1990 وطبيعة النظام الاقتصادي الرَيعي والخدماتي الذي قضى على الصناعة والزراعة وتسبّب بسوء توزيعٍ للدخل وبتفاوتٍ ما بين الطبقات الاجتماعية. أمّا بالنسبة الى المتغيّرات فقد تكون أهمّها على الصعيد الداخلي الانتخابات النيابية الأخيرة (أيار 2022) وما تلاها من تبدّلٍ في المزاج الشعبي انعكس في صناديق الاقتراع وكان نتيجة نقمةٍ عامةٍ على كلّ الأحزاب والطبقة السياسية في البلد، ما أنتج وصول 13 نائباً من مختلف المناطق اللبنانية يُعرفون الآن بنواب التغيير. هذا التغيّر في المزاج الشعبي أعطى أيضاً المعارضة إمكانية الخرق في دائرة الجنوب الثالثة بمقعدين نيابيين، وهو أمر كان يُعتبر من المستحيل أو من المحرّمات. كما برز بشكلٍ لافت تراجع شعبية التيّار الوطني الحرّ، حزب رئيس الجمهورية، وسقوط عددٍ من النواب وتناقص عددٍ من الكتل النيابية، بينما وللمرّة الأولى منذ العام 1992، تغيبت الحريرية السياسية عن المشهد السياسي حيث عزَف تيار المستقبل عن خوض الانتخابات النيابية هذه.
لا شكَ في أنّ فوز كتلة نيابية تغييرية كان لها الأثر الجيّد على تغيير نمط الحياة السياسية الداخلية. وعلى الرغم من اختلاف الآراء بين نوابها واختلاف أفكارهم وتوجّهاتهم السياسية، أضفت هذه الكتلة دينامية على الحياة السياسية والبرلمانية، وأصبحت تُسمع أصوات قد تُشبّهها السلطة بأصوات نشاز.